هل بدأت السعودية مراجعة سياساتها في اليمن وسورية؟ وماذا وراء الزيارة المرتقبة للعاهل السعودي إلى موسكو؟ وهل للقرار صلة بتقدم الجيش السوري..؟
10 فبراير، 2016
854 17 دقائق
يمنات – رأي اليوم
ربما لم نبالغ كثيرا عندما قلنا في هذا المكان أن المشهد السوري بشقيه السياسي والعسكري يقف على أعتاب تغييرات جذرية متسارعة منذ انهيار مفاوضات جنيف الثالثة، والتقدم الكبير الذي حققته قوات الجيش العربي السوري النظامي في ميادين القتال، ومحاصرته لمحافظة حلب بغطاء جوي روسي، وليس أدل على هذه التغييرات، و”الانقلاب” بالأحرى، الإعلان الذي صدر عن الكرملين عصر اليوم، وأكد أن العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز سيحط الرحال في العاصمة الروسية منتصف الشهر المقبل، ودون أي مقدمات.
زيارة العاهل السعودي كانت مقررة أواخر العام الماضي، ولكنها تأجلت حسب تحليلات وتقارير إخبارية احتجاجا على التدخل العسكري الروسي الذي عزز وجود الرئيس السوري بشار الأسد، ومكن قوات جيشه من استعادة زمام المبادرة ميدانيا في أكثر من جبهة.
الإعلام الرسمي السعودي، وكتابه المقربون من النظام، شنوا طوال الأشهر القليلة الماضية حملات شرسة ضد روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، بسبب سياسته الداعمة للرئيس السوري، وإيران وحلفائها في العراق وسورية ولبنان، الأمر الذي أعطى انطباعا بان هذه الزيارة الملكية إلى موسكو لن تتم، لأن الزيارات التي قام بها الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد إلى العاصمة الروسية أكثر من مرة، لم تنجح في تغيير موقف القيادة الروسية من دعم النظام السوري، رغم “المغريات” المادية الكثيرة التي طرحت أثناء المباحثات، ومن بينها شراء مفاعلات نووية، وصفقات أسلحة روسية واستثمارات تفوق قيمتها عشرين مليار دولار.
هناك خلافات رئيسية بين المضيف الروسي بوتين وضيفه السعودي الملك سلمان يمكن إيجازها في نقطتين رئيسيتين:
أولى: الحرب المستعرة في سورية، ودعم المملكة العربية السعودية للمعارضة المسلحة وتزويدها بالمال والسلاح، وتوفير مقر لها في الرياض، وإصرارها، وعبر تصريحات مسؤوليها، وخاصة عادل الجبير وزير الخارجية، بحتمية رحيل الرئيس بشار الأسد قبل بدء أي عملية سياسية، تطبيقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الأمر الذي رفضته موسكو بشدة وما زالت.
الثانية: الصدام الحاد بين البلدين حول السياسات النفطية، وكيفية وقف الانهيار الحالي في أسعار النفط، فالمملكة العربية السعودية ضخت أكثر من مليوني برميل إضافي من النفط، وأغرقت الأسواق لشلّ الإقتصادين الروسي والإيراني، قبل أن تكتشف أن واشنطن حليفها التاريخي تتفاوض مع إيران سرا، وتنسق مع موسكو حول تغيير الأولويات في سورية، وبما يؤدي إلى بقاء الرئيس السوري ونظامه، والتركيز على القضاء على “الدولة الإسلامية”.
تحديد منتصف الشهر المقبل، أي بعد حوالي 35 يوما تقريبا من الآن لزيارة العاهل السعودي لموسكو، ربما يكون مقصودا ولإعطاء القيادة السورية وحلفائها الروس الفترة الكافية للإجهاز على المعارضة المسلحة، أو معظمها، مثلما تنبأ جون كيري وزير الخارجية الأمريكي في صدامه مع احد النشطاء السوريين، وإكمال إحكام سيطرة الجانبين على محافظة حلب، واستعادة السيادة السورية الرسمية على الحدود مع تركيا، وإغلاق المعابر، وبما يمنع وصول أي إمدادات عسكرية إلى المعارضة السورية المسلحة، فالأنباء الواردة من جبهات القتال في ريف حلب الشمالي، تؤكد أن قوات الجيش السوري باتت على بعد بضعة كيلومترات من هذه المعابر الحدودية مع تركيا.
ما نريد قوله إن العاهل السعودي قد يصل إلى موسكو في وقت تملك القيادة الروسية وحليفها السوري اليد العليا في الملف السوري، وبما يؤدي إلى مرحلة جديدة من التركيز على كيفية التنسيق بين البلدين في القضايا المشتركة، وأبرزها التعايش مع الواقع الجديد في سورية، وبقاء الرئيس الأسد، والتركيز على كيفية مواجهة خطر “الدولة الإسلامية” التي تشكل خطرا استراتيجيا على الطرفين.
السفير الروسي في الرياض لمحّ إلى هذه المسألة بوضوح في حديثه الذي أدلى به لوكالة “تاس″ الرسمية الروسية حول زيارة العاهل السعودي عندما قال “إن روسيا والسعودية تعملان معا بنشاط من اجل منع القوى الهدامة من هدفها الرامي إلى إطلاق دوامة الصراع بين الحضارات، وهو الشيء الذي يسعى إليه تنظيم داعش والتنظيمات المشابهة الأخرى”.
وبشأن الملف السوري أوضح السفير “في اطار المشاورات المشتركة يبحث البلدان عن تفهم موحد لسبل حل القضايا الانسانية في سورية ووقف اطلاق النار وتحقيق الاهداف الاخرى ذات الاولوية في استعادة الاستقرار في سورية”.
كلام السفير الروسي ينطوي على قدر كبير من الدبلوماسية، ولكنه يسلط الاضواء على مرحلة جديدة في سورية تؤكد على تثبيت الوضع الراهن، اي بقاء النظام ورئيسه، والتعاطي مع الامور الاقل اهمية مثل وقف اطلاق النار والقضايا الانسانية، واستعادة الاستقرار في سورية، او هكذا نفهمه.
العاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفه العائد للتو من زيارة لموسكو، ربما كان الاسرع التقاطا للتغييرات في المشهد السوري والنوايا السعودية المستقبلية للتعاطي بايجابية اكبر مع الوقائع الجديدة على الساحتين السياسية والعسكرية والميدانية، عندما اهدى الرئيس بوتين ما سماه “سيف النصر الدمشقي”، وهو سيف عربي فاخر، وقيل انه تمنى “ضمنيا” النصر لروسيا، ونسبت بعض المصادر الى الشيخ خالد بن حمد آل خليفة وزير خارجية البحرين قوله “ان الملك حمد بن عيسى يقدر دور روسيا في مساعدة سورية على الخروج من المحنة الصعبة، لان دورها، اي روسيا، مهم وعلى جميع دول العالم التعاون معها لتثبيت الامن والاستقرار في سورية”.
العاهل البحريني الحليف الاوثق للمملكة العربية السعودية، والذي تدخلت قوات الاخيرة عسكريا لحماية عرشه، في مواجهة حراك شعبي تزامنت مع انتفاضات “الربيع العربي”، ما كان يتخذ مثل هذه المواقف التي لم يصدر اي نفي رسمي لها حتى كتابة هذه السطور، دون ادراكه حدوث تغيير في الموقف السعودي تجاه الازمة السورية، والاقتراب بالتالي بشكل اكبر للموقف الروسي حول كيفية حلها.
زيارة العاهل السعودي لموسكو هي “رسالة غضب”، وليس “عتابا” فقط، للادارة الامريكية التي خذلت المملكة وحلفاءها الاتراك والقطريين، وتبنت وجهة النظر الروسية حول كيفية حل الازمة السورية، وكأن لسان حال العاهل السعودي يقول للامريكان ما قاله الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لهم بالامس لانهم رفضوا اعتبار حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي حركة “ارهابية” “لقد فقدنا الثقة بكم كحلفاء خلص، وسنذهب الى موسكو مباشرة دون الاستعانة ببوابتكم”.
ربما من السابق لاوانه التكهن بكل ما يمكن ان تسفر عنه زيارة العاهل السعودي من اتفاقات مع موسكو، ولكن ما يمكن قوله انها تعكس استعدادا للتعاون في المجالات الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية، بما في ذلك التنسيق المشترك، والتفاهم حول كيفية السيطرة على اسعار النفط، من خلال تخفيض الانتاج وانهاء التخمة في الاسواق العالمية، خاصة ان هناك انباء ترددت قبل ايام توحي بمثل هذه الخطوات بين الجانبين السعودي والروسي، هذا الى جانب الملف السوري طبعا.
الادارة الامريكية ربما تكون الخاسر الاكبر من هذه الزيارة الملكية، ولو على المدى القصير على الاقل، ومن غير المستبعد ان تهيىء، اي الزيارة، السلّم لخروج السعودية من حفرة اليمن العميقة التي وقعت فيها، ولم تتمكن من الخروج منها طوال الاشهر العشرة الماضية.
القيادة السعودية ربما ادركت ان السياسات التي تبنتها طوال العام الماضي اعطت نتائج عكسية تماما، ولا بد من مراجعتها، وزيارة الملك سلمان هي الخطوة الابرز في هذا الصدد، او هكذا نعتقد.. والايام بيننا.